Monday, December 17, 2012

الإسلام السياسي ونزعة الخصومة

 
من سخرية نشطاء الإنترنت حول هجوم شباب الإخوان على اعتصام الاتحادية، وتفتيش محتويات المعتصمين، وإعلان الغضب من وجود جبنة نستو!!

هناك استعداد كبير لدى "الإسلام السياسي" للخصومة، هذه السمة ملحوظة منذ اعتلاء  الإسلاميين الحكم في إيران، لكن ما يميز تجربة الإسلام السياسي في مصر مقارنة بنموذج الخوميني هو الضعف الفكري، والقوة التنظيمية، والتعددية، فقد كان الخوميني منظِّراً مجدداً في الفكر الشيعي، واستطاعت نظرية "ولاية الفقيه" أن تقدم جسماً متماسكاً من الناحية الفكرية مهما اختلفت معه، أما نظرائه المصريون فيبدون أضعف كثيراً من الناحية الفكرية، وأضعف أكثر من ناحية تصدير هذه الخصومة إلى الخارج، إنهم مهادنون  إقليمياً بدرجة لم يتوقعها أحد، ورقيقون في التعامل مع الغرب إلى حد النعومة -بل والعمالة- مقارنة بإيران، والسبب قوة مؤسسة الجيش واستقلاليته حتى الآن، وقوة نزعة الاعتدال في الشخصية المصرية، والتي تعد من تجليات الإقتصاد المصري الذي يمزج بين الخدمات والسياحة وتصدير العمالة بأنواعها المختلفة من حيث الكفاءة والتعليم، ويستمتع بقوته الاستراتيجية المميزة والمتمثلة في الثقافة والإعلام والطبقة الوسطى.

في المقابل يصدِّر رجال الإسلام السياسي المصريون كل خصومتهم للتيارات الفكرية المنافسة لهم داخل بلدهم، وهي في مجملها ذات نزعة مدنية، وليس مشهوداً لها - تاريخياً- بارتكاب أعمال عنف أو إرهاب، أو انتهاج العنف وسيلة للصراع السياسي. حتى أقصى درجات اليسار راديكالية فيها لم يوثق لها التاريخ في أربعينات القرن العشرين سوى العمل على نشر الوعي العمالي، وتشجيع إضرابات من أجل المطالبة بالحقوق، إنها تيارات ذات نزعة حقوقية بامتياز، مهما تنوعت مشاربها الفكرية من اليسار إلى الليبرالية بأطيافهمها المختلفة.

خصومة الإسلام السياسي هذه بعد وصول رجاله إلى الحكم تبدو غريبة، ومنفرة، اندفاعهم إليها، كونها المتنفس الوحيد الذي اختاروه يظهرهم ضعفاء أكثر مما يظهرهم أقوياء، هو في الحقيقة يعرِّي ضعفهم المستتر؛ الضعف الفكري وضعف الرؤية السياسية، وضعف القدرات الإدارية أمام تلبية احتياجات قطاعات عريضة من خلال سياسات إنقاذ وقرارات طوارئ اجتماعية. باستثناء تيار د.عبدالمنعم أبو الفتوح الآخذ في التبلور تدريجياً، والتميز عن مسار منبته الإخواني، تكاد نزعة الخصومة الكبيرة والمشوشة تغلب على كل أطياف إلاسلاميين إلى درجة تقودهم إلى الخصومة مع ما هو شعبي، وما هو من مكتسبات الشخصية المصرية التي لا توجد إشارات إجتماعية كبرى على رغبة قطاع فاعل اجتماعياً (طبقة إجتماعية فاعلة) في مصر في تغيير هذه المكتسبات والسمات التي تميز شخصية إنسان مصر.

هذه المعركة التي جر الإسلاميون أنفسهم إليها مع مكتسبات الدولة المصرية في المائتي عام الماضية، ومكتسبات الشخصية المصرية الحديثة التي تراكمت تبلورت في نفس الفترة، معركة فاشلة وليست فقط خاسرة، إنها معركة دون داع، وهم ليسوا مؤهلين لها بحكم الضعف الفكري البالغ في مستوى قيادات ورموز الإسلاميين، فمن يقرأ احتفاء بعض الإخوان المسلمين -مثلاً- بقدرات الشيخ يوسف القرضاوي كأحد المجتهدين، ويصل إلى احتفاءهم به لأنه اجتهد وأفتى بعدم حرمانية الموسيقى، وأنه بذلك حررهم من شك كبير كانوا يعانون منه نظراً لأن الموسيقى تتخلل حياتنا وإعلاناتنا وكثير من أنشطتنا الإنسانية اليومية؛ من يقرأ هذا يشعر بأكثر من وجود ضعف فكري؛ قد يصل الشعور إلى حد الشفقة ، أقول ذلك دون تجريح.

خصومة أبوالفتوح موجودة أيضاً، أو انها لم تعالج ذلك الضعف الفكري، لكنها أقوى من حيث الرؤية السياسية، لذلك استولد لحزبه السياسي مسمَّى "مصر القوية"؛ إنها خصومة مع إرث الضعف في الدولة في حقبة مابعد التحرر من الاستعمار، أو هكذا يبدو لي من تركيز برامجه الحزبية أو كمرشح لرئاسة على تصفية الدولة الأمنية والتمكين الديموقراطي، وهو نفس المنطلق الذي عارض به إجراءات الرئيس الإخواني محمد مرسي والتي بدأت بإعلان دستوري ديكتاتوري، وصولاً لتمرير دستور غير توافقي. هنا يتسق أبوالفتوح مع ذاته، دون أن يخلق خصومة مع تيار أيديولوجي ينتمي إليه. إنه اختلاف في الرؤية السياسية لما يجب أن تتجه صوبه الخصومة، ولا يستطيع أبوالفتوح المساومة على ذلك الذي يميز حزبه وخطه ومساره المستقل عن الإخوان، وغير المختلف مع الإسلام السياسي في الوقت نفسه.

نزعة الخصومة الداخلية لدى الإسلاميين كبديل عن الصراع الخارجي، الدولي أو الإقليمي، وفتح بوابة خصومتهم على مصراعيها مع مكتسبات الدولة وسمات الإنسان المصري ستجرهم لأشكال كاريكاتورية من الصراع لا مكسب سياسي أو أيديولوجي منها، وهي أيضا ليست من ذلك النوع من الصراعات التي تصقل من يخوضها وتفتح أفاقاً مستقبلية  أمامه، بل سيراهم قطاع مجتمعي رئيسي وفاعل وواع كفيروس أو مرض يحاول أن ينخر مكتسباته، وسيتقبل المعارضة الواعية المستنيرة لمثل هذا التوجه التخريبي. من المهم أن نظهر هذه النزعة التخريبية في نوعية ودرجة ومدى خصومتهم. كما  أن تقدير نضج التوجه الذي يمثله خط أبوالفتوح لا يعني عدم مساءلته عن نواحي الضعف الفكري، إن مثل هذه المساءلة تساعد توجهه الإصلاحي على التبلور والتميز عن الخط التخريبي بين صفوف الإسلام السياسي. ويندرج تحت نفس الحالة الخط الذي يسعى لتشكيله عمرو خالد من خلال حزب سياسي، وإن كان حزبه لا يحظى بنفس حضور حزب مصر القوية.

لكن الأهم أن التيارات المدنية التحديثية بأطيافها تمتلك منصات سياسية الآن، من حزب الدستور إلى التيار الشعبي إلى المصري القومي الاجتماعي والمصريين الأحرار وتجمعات اليسار المختلفة؛ ويعد "التيار الشعبي" مبادرة إيجابية تجمع التجمعات الشبابية والإئتلافات الثورية العديدة المتكاثرة والتي تشكلت مع اندلاع الثورة، وتميزت بخصوبة وحراك وصقل سياسي رائع خلال عامين من الثورة، وكان يعاب عليها أنها تحتاج لأن تجتمع في مليونية جماهيرية حتى تستطيع بلورة مطالبها، والاتفاق على حد أدنى، مما يظهرها بمظهر الضعيف مقارنة بتنظيمات الإسلام السياسي كالاخوان والسلفيين التي تتحدد خطوط السياسية بالنسبة لها في دوائر قرار فوقية تشبه اللجان المركزية للأحزاب الشيوعية خلال منتصف القرن العشرين.

 مبادرة التيار الشعبي هي في الأساس لجمع وتنسيق هذه الإئتلافات العنقودية المنتشرة جغرافياً في كل أنحاء مصر، وهي خطوة ممتازة لعمل سياسي أنضج وأكثر فاعلية باتجاه التنمية الاجتماعية ونشر الوعي الحقوقي بين مختلف فئات وشراح المجتمع، وأيضاً التكتل السياسي الثوري الفاعل، فثمة جوع سياسي في بلدنا، جوع لممارسة سياسة خالية من الأمراض النفسية وعقد السلطة وأطماعها، وقد ضحى مظم ابناء الإسلام السياسي بهذه الفرصة الرائعة للالتحام بالناس مفضلين الالتصاق بالكرسي وموقع القرار، وهم في كل دورة من دورات الخصومة التي يندفعون إليها بشراهة يكشفون عن مزيد من الضعف الفكري والتناقض، والانفصال عن الناس وأحلام الثورة التي أصبحت سمة من سمات المصري كونه من صنع الثورة أو باركها وأيدها، هذه السمة المرتبطة بالحلم لن يتخلى عنها الإنسان المصري والإنسانة المصرية مهما رأى إخفاقات السياسيين وأطماعهم، لقد أصابت الثورة مفهوم الحلم بالمستبد العادل في مقتل، ورسخت في نفوس الناس أن انتظار الصدفة التاريخية التي تنعم على الشعب بمثل هذا القائد محض أوهام. عليك أن تصنع قائدك، أن تطيح به عندما يخفق؛ ولا رجوع للوراء في ذلك.
 
 
 

No comments:

Post a Comment